نورة's Updates en-US Sun, 18 May 2025 23:32:51 -0700 60 نورة's Updates 144 41 /images/layout/goodreads_logo_144.jpg Review7574266349 Sun, 18 May 2025 23:32:51 -0700 <![CDATA[نورة added 'مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي']]> /review/show/7574266349 مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي by مالك بن نبي نورة gave 4 stars to مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي (Paperback) by مالك بن نبي
عن يوم روبنسون كروز وحي بن يقظان، والفكرة الجوهرية التي كانت تحرك كلا منهما عبر مؤلفيهما، والمعنى الدلالي للكلمات الذي لا ينجو من أثر الأفكار عند المداولة والاستعمال، فالدلالة لا تنجو من التصور، بل تخضع لتقلباته.
يتتبّع الكاتب تطور العلاقة بين الفكرة والمجتمع، بدءًا من ما يسميه ‘التطور القصوري’ الذي يمثل استلاب سلطة المجتمع وتبديد وسائله، إلى لحظة طغيان ‘الشيء’ على الفكرة، وتحول الفكرة نفسها إلى وثن، بما يعني نهاية الاجتهاد وبداية التكرار، وانتهاءً بتمرّد الفكرة حين تنفصل عن سياقها الاجتماعي وتمارس طغيانًا جديدًا.
يتأمل الكاتب الفوارق الدقيقة بين أنماط الأفكار ويتنقل بينها: فـ ‘الميتة’ منها هي التي تجاوزها الزمن، أما ‘المميتة’ فهي تلك التي لا تزال تُمارس سطوتها على العقول، وتُنتج عنفًا رمزيًا خانقًا لحامليها. وفي هذا الإطار، يعرض صورًا شديدة الرمزية: من الاستعمار إلى القابلية للاستعمار، الأفكار التي تنتقم لخذلانها، والتي يلتهمها أصحابها في مجاعة رمزية، إيذانًا بانتهائها، والأفكار المعدية عبر سلوك المحاكاة، حين تنفصل عن أنموذجها في عالمها الثقافي الأصلي، فتكون بمثابة الجراثيم المجتمعية التي تسللت عبر حصان طروادة الفكري.

لدي تحفظ على الرسم البياني الذي بنى عليه آراءه (رسم بياني للقيم النفسية الزمنية خلال المراحل الحضرية ونتج عنه أن انحطاط الحضارة بدأ مع نهاية عصر الموحدين)، على عادة الخرائط والقوالب المختزِلة تجيء بعيدة عن الدقة، ضاربة بالتعقيد الواقعي للعالم عرض الحائط.

منتهى وغاية الكاتب هو الدعوة لاجتراح حلول أصيلة لمشاكلنا عوضاً عن استيرادها، والإشارة لعلل استيراد الأفكار واستعمالها في سياق منقطع عن السياق الذي نشأت فيه.

ما لطف من الأفكار عن مشكلة الأفكار في عالمنا الإسلامي، ثري بالإشارات النافعة، مهموم بالواقع، صالح للنقاش والتثوير، أصيل وإسلامي الهوى والمنطلق، كما يشكر له سعة همّه ليشمل العالم الإسلامي الذي جمعنا معه أعظم هم، عوضاً عن تقييده بالعربي. ]]>
Review7564545381 Wed, 14 May 2025 19:18:14 -0700 <![CDATA[نورة added 'ما بعد الإنسان']]> /review/show/7564545381 ما بعد الإنسان by Rosi Braidotti نورة gave 3 stars to ما بعد الإنسان (Paperback) by Rosi Braidotti
لا يخلو من إشارات جيدة، واستعراض أقل جودة.
يتسم بالركاكة بنائياً وضعف الطرح والنتائج، وربما أن لسيولة المفاهيم في مثل هذه الأطروحات وطبيعتها دور. ]]>
Review7557605718 Sat, 10 May 2025 21:32:31 -0700 <![CDATA[نورة added 'نهاية النسيان: التنشئة بين وسائط التواصل الاجتماعي']]> /review/show/7557605718 نهاية النسيان by Kate Eichhorn نورة gave 4 stars to نهاية النسيان: التنشئة بين وسائط التواصل الاجتماعي (Paperback) by Kate Eichhorn
٣.٥
مع انقضاء "حقبة النسيان" لم يعد الجالس في مقهى درويش حراً، ولم يعد منسيًّا ما دامت الهواتف والكاميرات تحملها الأيدي وتحيط بالطاولات.
إن كان قد قيل أن الكلمة تملك صاحبها لحظة مفارقتها فمه، فقد تبعتها اليوم الصورة، لحظة رفعها إلى خوادم الشبكة العنكبوتية.
ينتبه الكاتب -بلطف وكياسة- لإشكال عصري، ويلفت النظر لمآلاته التي أضحت ملموسة في وقتنا الحاضر فضلاً عما قد يغيب عنا من الإشكالات في المستقبل.
يطرح سؤالات جديرة بالطرح، مثل:
هل نملك صورنا وذكرياتنا لحظة مشاركتها في مواقع التواصل أم أنها من تملكنا؟
هل يمكن أن يبدأ المرء "صفحة جديدة" وفصلاً جديداً من حياته؟ أم أن شبح الماضي سيلاحقه ما لاحقته عدسات التصوير؟
ماذا عن السياقات التي تتداول فيها دون أن نتحكم بها: صورة ظريفة لطفل في موقف عابر، تتحول لترند فتصبح حديث اللحظة، والأفظع أن تمتد هذه اللحظة للأبد بأن تصبح "ميماً" متداولاً يعبر عن مشاعر الناس ويُستعمل في سياق إضحاكهم؟
كيف يمنع النظام الأب من الوصول لطفله في بعض السياقات حفاظا على حقوقه، ثم يُترك لجميع مجانين الأرض الفرصة لأن يصلوا إليه عن طريق جهازه اللوحي المحمول؟
هل يعقل أن يحفظ المراهق من أن يستغل فنياً في إعلان ما، ثم بعد ذلك لا يستطيع منعه من أن يكون رمزاً أداتياً عابراً للحدود والقارات؟
في عصر الصورة والانكشاف والنشر ومشاركة البيانات، وفقدان الحق في "الحفاظ على الخصوصية" لحظة اقتناء جهاز ذكي، أو تحميل برامجه، والموافقة على أحكامه، هل يمكن أن يستحدث قانون جديد تحت بند "الحق في أن نُنسى"؟
إن إشكالية الانفتاح المخيف على العالم، والسرعة الرهيبة في تناقل البيانات، والانفلات الملفت للحدود الأمنية في عالم الإنترنت، لم يعطِ للقوانين فرصة مواكبة جديده، والإمساك بتطوراته.
وليس الإشكال في سقوط حق "الحفاظ على الخصوصية" فحسب، وإنما في سياقات تداول تلك الصور والأحداث واختزال صاحبها، حياته وأفكاره وشخصه في "ميم" أو "ريأكشن" أو "هاشتاق" لا يمثل سوى ثانية من مشهد عابر، في فصل محدد من فصول حياته. هنا تكمن خطورة هذا النشر، وتتضح مآلاته وتبعاته على المستوى الشخصي، وعلى مستويات أكبر، حيث تتحول تلك التفاعلات إلى مادة خام لرأس المال.
لم يعد النسيان مرغوبا في عصر تسليع حياة المرء وذكرياته، لذا كان دأب شركات مواقع التواصل حثيثاً في ضمان استبقاء المستخدم أسيراً لخدماتها، فجاءت "الستريكات"، والعملات الرمزية، والنقاط الوهمية، والسماح بتفعيل الإشعارات، جميعها في إطار ضمان بقاء المستخدم ضمن نطاق رؤيتها ومراقبتها.
لم تعد البيانات وسيلة ثانوية في عالم اليوم، بل أضحت أداة فعالة في الحروب، وعملة ترتفع بها اقتصادات، وتنهار أخرى.
من اللافت أن مصطلح “التعفف الإلكتروني” الذي صاغه المؤلف، رغم طرافته وعمقه المفاهيمي، لا يمثل حلاً عمليًا في التصدي لاختراق المنصات الرقمية لحياة الأفراد، إذ إن الغياب الكامل عن الفضاء الرقمي هو الآخر مفضٍ لنوع من التصنيف وإثارة الاستفهامات، في عالم أضحى فيه الوجود الرقمي ضرورياً بموازاة الوجود الواقعي.
في هذا السياق، تبرز تجربة المرأة المنتقبة أنموذجًا يُمكِّن من إعادة النظر في مفهوم “التعفف الرقمي”، ليس فقط بوصفه موقفًا سلبيًا بالانسحاب من الفضاء العام، بل باعتباره موقفًا إيجابيًا يؤسس لعلاقة واعية مع مفهوم الستر والخصوصية، نفهم من خلاله إحدى أبعاد الحجاب المغفول عنها، إذ يحقق نقيض الفكرة التي حذّر منها المؤلف، فضلاً عن تحقيق المقصد الشرعي، هي تحقق معنى الصيانة عن الأذية الحاصلة عن المعرفة، إذ يمثّل النقاب –في أحد أبعاده المعاصرة– ممارسة اجتماعية لحجب الهوية البصرية في بيئة مشبعة بالصورة والانكشاف، وهو ما يتقاطع مع المخاوف التي يطرحها المؤلف بشأن فقدان السيطرة على الصورة الشخصية وسياقات تداولها.
ويشهد لذلك النساء السافرات اللاتي اخترن في عالم الصورة الانتقاب؛ لمقاصد حديثة، مثل الحفاظ على الخصوصية والراحة في عالم مفتوح. هذا المثال طرأ على ذهني أثناء القراءة، ويعد ملمحاً معتبراً عند تناول الموضوع في سياق استمداد المقاصد الشرعية منه عند معالجته محلياً وتأصيله.

من الأمور التي يجدر الإشارة إليها قبل إنهاء حديثنا المتشائم -على عادة الأبحاث الحديثة الوجلة من التغير المتسارع-، يجب أن أشير إلى أن معرفتي لهذا الكتاب كانت عن طريق مشاركة أحدهم له على إحدى مواقع التواصل، مثل هذا التذكير يصب في باب استحضار النعمة وعدم نكرانها على غرار {ربنا باعد بين أسفارنا}، وذلك كيلا تأخذنا مثل هذه الدراسات إلى الحدية والتطرف عند الالتفات إلى مثل هذه الإشكالات، وإنما غرضنا عند الالتفات إليها تحصيل الفطنة والكياسة، التي تجدر بالمؤمن، في تعاملاته اليومية، وتحريك ما تبقى من الخلايا في أدمغتنا عند احتكاكنا بها في الواقع، ورصد التغيرات المجتمعية؛ بغية التنبه لمواطن الخلل ومعالجتها قبل استشراء الفساد فيها.

أخيراً:
"فأشهد
أَنني حيُّ
وحُرُّ
حين [أَنْسَى و] أُنْسَى!" ]]>
Review7546578858 Thu, 08 May 2025 21:13:09 -0700 <![CDATA[نورة added 'عولمة الإسلام']]> /review/show/7546578858 عولمة الإسلام by Olivier Roy نورة gave 3 stars to عولمة الإسلام (Paperback) by Olivier Roy
يناقش روا في هذا الكتاب انهيار المرجعية الجغرافية للإسلام، وكيف أدت العولمة إلى تفريغ الإسلام من سياقه التقليدي دون أن تضعفه، لكن بإعادة تشكيله. ويرى أن ما يُعرف بـ”الصحوة الإسلامية” أو “إعادة الأسلمة” في الغرب هي ظاهرة ناتجة عن العولمة، لا عن رفضها لها. فالهوية الإسلامية الجديدة تُبنى على أساس فردي، مُفكك عن السياقات الثقافية الأصلية، وتعتمد على الإنترنت والرموز العابرة للحدود.
ويستشهد عليه بأمثلة لطيفة لم تغب عن لحظه: إسلام الفرد المعزول عن التقاليد، كالشاب المسلم في برلين الذي يكتشف إسلامه عبر يوتيوب، يتبنى ممارسات دينية موحدة (لباس، لغة دعوية، التزام شكلي) لا تعكس ثقافة بلده الأم (المغرب مثلاً)، بل تُمثّل هوية عالمية عابرة. أو المسلمة الماليزية التي ترتدي الحجاب “الشرعي” الموحد المتأثر بخطاب محلي ما، أو مقاتل داعش الذي لا تربطه رابطة بمذهب أو تقليد محلي، بل بخطاب عابر للحدود والهويات. ويرى أن إخفاق الحركات الإسلامية في إقامة دولة إسلامية أدى إلى تحول التركيز نحو الفرد، والمساهمة في بروز أشكال جديدة من التدين الفردي المتشدد.
ومن أبرز المحاور التي سلط الضوء عليها: بيان الفارق بين الإرث الثقافي والديني، ومجال تأثير كل منهما ومداه. والذي نتج عنه رفضه إرجاع تخلف الدول الإسلامية للإسلام، ووضع العوامل السياسية والاقتصادية والثقافية في الاعتبار، مستشهدا باختلاف واقع الدول رغم تقارب بعضها جغرافياً واتفاقها دينياً.
جانب كبير من الكتاب جاء في معالجة صور الجماعات الإسلامية السياسية المتشددة؛ لتصب في صالح الفكرة الأم من الأطروحة: أنها خطاب منفصل عن الجماعة ومنقطع عنها (صورة فردانية كبرى تشكل ذاتها مفتقرة لجذورها).

طرح مشغول بالواقع الإسلامي لا النظري، والجانب السلوكي لا الفكري. لا يخلو من أسئلة قمينة بالبحث، وإشكالات جديرة بالمعالجة، وأطروحات هي الأخرى قابلة للمراجعة والنقد والتمحيص، وإشارات خليقة بالتأمل والمثاقفة دون التسليم. ]]>
Comment290372991 Wed, 07 May 2025 20:31:57 -0700 <![CDATA[نورة commented on نورة's review of الحداثة والهولوكوست]]> /review/show/7520036773 نورة's review of الحداثة والهولوكوست
by Zygmunt Bauman

لست أهلا بما ذكرت، وإنما أحفل بحسن ظنك يالسمية ]]>
ReadStatus9392288775 Mon, 05 May 2025 19:43:04 -0700 <![CDATA[نورة is currently reading 'عولمة الإسلام']]> /review/show/7546578858 عولمة الإسلام by Olivier Roy نورة is currently reading عولمة الإسلام by Olivier Roy
]]>
Review7543146182 Sun, 04 May 2025 19:34:21 -0700 <![CDATA[نورة added 'الإسلام والغرب: الحاضر والمستقبل']]> /review/show/7543146182 الإسلام والغرب by زكي الميلاد نورة gave 2 stars to الإسلام والغرب: الحاضر والمستقبل (Kindle Edition) by زكي الميلاد
لوهلة، شعرت أن سؤال الكتاب ليس سؤالي: "كيف تكون العلاقة بين الغرب والشرق؟" وأن هم الكاتب في محاولة "بناء العلاقة ومد جسر الحوار بين الشرق والغرب" ليس همي، إذ إنني أعيش حالياً مرحلة: "ينحرق الغرب على أبو الغرب وتنحرق الجسور التي بيننا وبينه".

ما دعاني لاقتناء الكتاب ابتداء كان اسم "زكي الميلاد" الذي مر علي في سياق مختلف فأثار اهتمامي، فأحببت التعرف عليه لا أكثر.
وعلى أن الكاتب غير ملام على اختلاف الهم، إلا أن الحوارات المرصودة في الكتاب أيضاً لم تكن بتلك القيمة، فمحاولتها الإجابة على السؤال جاءت ضعيفة، ولم تسع لتقديم حلول جوهرية، وإنما كانت قصاصات متفرقة، تضيء السؤال ولا تتجاوزه، وكانت أقرب للمقالات القصيرة منها إلى البناء الموضوعي المتكامل.

ربما، بعض الأسئلة أكبر من أن تجيب عنها مقالة… أو حتى كتاب.
وربما، كان هذا الجواب هو ما أبحث عنه. ]]>
Review7520036773 Sun, 04 May 2025 14:52:59 -0700 <![CDATA[نورة added 'الحداثة والهولوكوست']]> /review/show/7520036773 الحداثة والهولوكوست by Zygmunt Bauman نورة gave 5 stars to الحداثة والهولوكوست (Paperback) by Zygmunt Bauman
خمسة أنجم من المقدمة.
يمكنك استبدال الهولوكوست بالإبادة، والنازية بالصهيونية، وهتلر بأي رئيس إسرائيلي، ويهود ألمانيا وفرنسا وهولندا الذين كانوا يظنون أنفسهم في حصانة من المعاملة بمثل ما عومل به اليهود المهاجرون بالعرب مع الفلسطينيين، والفلسطينيين مع المقاومة "المتطرفة"، والتعاون اليهودي في القيام بمهمات بيروقراطية بتعاون السلطة الفلسطينية.
ذات العقلية تتكرر، لأننا لم نتخلص من الظروف السياسية والفكرية والاقتصادية التي أنتجت الهولوكوست بعد.
المؤلم أن الكتاب في الوصف كأنما يصف الدم الغزي وهوانه، ويفسر التوحش الصهيوني وأداتيته، لذا فأن يكون في حقيقته واصفاً لحقبة ومجتمع هو ذاته المجتمع الذي نجا من الإبادة؛ ليصبح الجلاد، لهو ضرب من الجنون، فسّره الباحث بالميراث التدميري من الأجداد للأحفاد، حيث يرتكب الحفيد العنف في سبيل محاربته وراثياً، وعده المؤلف من أهم انتصارات هتلر بعد وفاته (يتمثل في العقلية الإسرائيلية اليوم). والحقيقة المروعة في ذلك: أن "الأبناء المعيبين" لا يستطيعون العيش في عالم خالٍ من المخاوف، أضحى الشعور بالملاحقة والمعاداة أسلوباً يميزون به هويتهم، حتى طرحت إحدى المجلات الأميركية يوماً هذا السؤال الذي يستفز الحقيقة: "هل في إمكان اليهود قبول فكرة اختفاء معاداة اليهود؟" إن المفارقة المخيفة للاضطهاد الوراثي هي توليد اهتمام دائم بعداء العالم!
ولو انسحبت المحاولات التفسيرية إلى الواقع الفلسطيني لوجدنا المبررات صالحة، وكافية لإثبات أن وحش الحداثة المادي، مفضٍ بالضرورة لهذا التوحش المنفصل عن الأخلاق، كما تنبأ كثير من المفكرين ذلك مذ لحظة "موت الإله" النتشوية.

من الكتب التي تتجاوز أفكارها صفحات الكتاب، وتغدو على لسان كل مفكر وإن لم يعرف مؤلفه. ستجد كثيرا من العبارات والأفكار التي تتبناها، ونتناقلها جميعاً خرجت من ذات الرحم، كما تتفق الإشكالات وتفسيرها لكثير من قضايا الواقع وقضية الكتاب.

‏السؤال الكبير الذي يبحثه الكتاب: هل ظاهرة المحرقة والإبادة الجماعية هي نتاج فشل الضبط أم نتاج الضبط ذاته؟

لفت نظري قيادة الهولوكوست المؤلف لرسم صورة الحداثة، والكشف عن لوازم طبيعتها، أن يكشف لك حدث ما، انكببت على دراسته طمعا في معرفة مسبباته -بصفته حالة استثنائية-؛ لتقع على حقيقة أنه فيض عن الواقع -بالاصطلاح العرفاني :)- وامتداد لمُثله وقيمه، أو ما سماه المؤلف "الحضور الخفي للإنسان المستباح كأحد إمكانات الدولة الحديثة". هذه النتيجة الصادمة والجوهرية -في آن- هي ما أعطى مثل هذا الكتاب قيمة، ووجه للعالم كله صفعة يقظة.
‏إن الصفعة التي وجهها الكتاب، تمثلت في اكتشاف أن المذبحة لم تكن طارئة على مسيرة الحداثة، ولم يقم عليها مجموعة من المجانين، ولم تكن جرائم بربرية من خارجها، مثل قبائل التوتسي والهوتو والأنظمة في العراق أو سورية، التي كان سماع أخبار مذابحها معتادًا، بل كانت كامنة في أحشائها.
كما ساهم في الكشف عن أيدلوجيا خفية تعد بمثابة النبوءة المحركة للعالم الغربي، ونقض سردية التمدن وأسطورته، ومن أهم المقاربات التي نسفها:
- "التعامل مع تاريخ الفكر كأنه صراع متواصل بين العقل والخرافة؛
- رؤية ماكس فيبر لمسار التاريخ الحديث كمسار عقلنة؛
- وعد طب التحليل النفسي بالكشف عن الغرائز التي تسكن داخل الإنسان، أي الحيوان الذي يسكن داخله، وأن عملية الحداثة هي عملية ترويض له؛
- أمثولة سيطرة الإنسان على الطبيعة وتحرره من قيودها بتحرر الإنسان من الاستغلال في المجتمع عند كارل ماركس وغيره؛
- تناول عالِم الاجتماع الألماني إليّاس للتاريخ الحديث على أنه عملية تهذيب حضارية تتمثل أساسًا في استئصال العنف من حياة الناس اليومية."

كانت الإبادة الجماعية لتصفية اليهود بوصفها خياراً واعياً من خيارات عدة ممكنة، "نتاجًا للإجراءات البيروقراطية الروتينية، ومجرد عملية حسابية للوسائل والغايات، وتدبير الميزانية، والالتزام بالكامل بالقواعد".
‏العجيب أن القمع الروتيني المؤسس بيروقراطيا ضمن النظام، كان قادرا على التحييد للحس الأخلاقي، على النقيض من غوغائية الشوارع والأزقة التي تثير نفور المجتمع من عنفها الجسدي الفوضوي.
لم تكن المذبحة عملاً وحشياً همجياً، بل إجراءً عقلانياً “كفؤاً” وفق منطق الدولة الحديثة.
"إن الوازع الأخلاقي الذي ينهى الفاعلَ عن ارتكاب الفظائع العدوانية يختفي عندما تتحقق ثلاثة عوامل، كلها أو بعضها:
١- تفويض استخدام العنف من خلال الأوامر الرسمية الصادرة عن الجهات القانونية المعنية.
٢- تنميط العمل عبر الممارسات النظامية المنضبطة والتوزيع الدقيق للأدوار.
٣- تجريد ضحايا العنف من الصفات الإنسانية بواسطة التعريفات والمذاهب الأيديولوجية".
كان للظروف الفنية أثرا بارزا في وقوع مثل هذه الجرائم؛ كتوزع العمل الإجرامي على أدوار متعددة (المسؤولية العائمة)، "فالاستقلال النسبي الذي يتباهى به المسؤول المحكوم بتخصصه الوظيفي يصاحبه انعزال عن النتائج الكلية التي يحققها العمل المتفرق والمنسق للمنظمة ككل"، فـ"إعطاء الأوامر بشحن القنابل في الطائرة أمر، والعناية بالإمداد المنتظم للصلب في مصانع القنابل أمر مختلف تماما…فلا يضطر مدير الإمداد بمحض اختياره أن يفكر أساسا في الغرض الذي صنعت القنبلة من أجله"، فكلما رشدت العملية الإجرامية ونظمت، سهل إلحاق الأذى بالآخرين، وتحول الاهتمام من تقويم صلاح الفعل أو فساده، إلى تقويم كفاءة الأداء أو ضعفه داخل نظام السلطة، فالإنجاز المزدوج الذي حققته البيروقراطية، يتمثل في صبغ التكنولوجيا بصبغة أخلاقية، وإنكار الأهمية الأخلاقية للأمور غير التقنية. فهي لا تستبعد الأخلاق، وإنما تعيد توظيفها في خدمة أهدافها!‏
لا تنشأ المسافة مع الضحية من شطب إنسانيتها العينية فحسب، بل أيضا من نشوء إنسان حديث مذرّر غير مهتم بما هو خارج تجربته الشخصية: فالخطر الكامن في المجتمع الصناعي اليوم يكمن في اللامبالاة الأخلاقية تجاه الأفعال التي لا ترتبط ارتباطا مباشرا بما يقع في نطاق التجربة الشخصية.
‏والعجيب أن الجرائم الحاصلة آنذاك لم تكن نتاج تعبئة المشاعر الألمانية تجاه اليهود، بقدر تحييدها!
كان عزل اليهود مصحوباً بصمت النخب، وانفصال القيم عن العلم في الجامعات، التي ساهمت في تعليم اللامبالاة فنًّا لطلابها، ولئن "بني الطريق إلى أوشفيتز من الكراهية، [فقد] رصف باللامبالاة".
جرى تحييد الأخلاق باللغة العلمية التي تعاملت مع اليهود بصفتهم أوراماً سرطانية وفيروسات، حقها التعقيم والحجر والاستئصال عند الضرورة في سبيل تحصين المجتمع.
يُعدد باومان عناصر إدارة الأخلاق، وفي الحقيقة إسكات الأخلاق وتحييدها، في ثلاثة:
١-الإنتاج الاجتماعي للتباعد، والذي يقلل ضغط المسؤولية الأخلاقية أو يلغيها.
٢-استبدال المسؤولية الأخلاقية بالمسؤولية الفنية التكنيكية.
٣-تكنولوجيا الفصل والتمييز العنصري التي تشجع على اللامبالاة نحو مأساة الآخر التي من الأحرى أن تخضع للحكم الأخلاقي والاستجابة الأخلاقية.
"هذه المسافة العملية والذهنية بين الفاعل والمنتج النهائي تعني أن معظم الموظفين في الأنظمة البيروقراطية يصدرون أوامر من دون دراية كاملة بعواقبها… وعادة ما تكون لديهم معرفة مجردة ومنفصلة عن المشاعر في صورة إحصاءات تقدر النتائج من دون إصدار أي أحكام".
هنا ينتقل باومان إلى فكرة مركزية في نقده للحداثة:
أن الحضارة والبربرية ليستا نقيضين، بل متداخلتين، فالإبداع والتدمير وجهان لعملة واحدة.
تجارب ملجرام التي يستعرضها المؤلف تثبت أن الوحشية ليست صفة فردية بقدر ما هي جزء مدمج في بنية السلطة والطاعة.
لقد كانت بيروقراطية القتل تنظم العمل الإجرامي بحيث يجهل كل موظف مغزى ما يفعل، ويهتم بكفاءته التقنية.
ومن الطريف المؤلم أن محامي إيخمان لخص القضية بجملة لا تُنسى:
“ارتكب إيخمان أفعالًا يُكرَّم المرء عليها لو انتصر، وتنصب له المشانق إذا انهزم".

من المفارقات الكبرى التي يرصدها باومان، أن المجتمع الألماني لم ينتصر على الهولوكوست بالمبادئ، بل بالمادة.
إن الخطأ الوحيد الذي ارتكبه هتلر -حداثياً-: عدم استكمال مهمته على الوجه الصحيح.
هُزمت ألمانيا بالمادة، وكذا انتصر أعداؤها عليها، ولم يكن للأخلاق في هذه الحرب ناقة ولا جمل. لم تكن الجرائم النازية إلا سلاحاً دعائياً بيد منتصر، غطى هو الآخر عري وحشيته براية انتصاره.
لذا كان السؤال الجوهري الذي عرّى به الكتاب الحقيقة: "هل كان أي ممن يحاكمون الآن سيعانون تأنيب الضمير لو كانوا هم المنتصرين؟".
هكذا يعري الكتاب خدعة “الاستثناء”، فالهولوكوست لم تكن حادثة عرضية في مسيرة التمدن، بل إمكانية دائمة كامنة في الدولة الحديثة.

من النواتج المؤلمة: أن التحطيم المعنوي للضحايا كان ممنهجاً: عزلهم، تجويعهم، تعليبهم في مخيمات، حتى صارت نبوءة الجلاد حول “حقارة اليهود” تتحقق بفعل ظروف الاصطفاء الوحشي الذي فرض عليهم.
‏كما نجح الجلاد في إقناع الضحية بلعبة "إنقاذ ما يمكن إنقاذه"، فاعتقد اليهودي أنه بتعاونه وتضحيته بالقليل أنقذ الكثير، إلا أنه ساهم في تيسير عملية الإبادة وتقليل تعقيداتها، فاستمر حتى دفن آخر يهودي أو صعود دخانه من إحدى مداخن المعسكرات!
‏لقد خسر اليهود الحرب قبل أن تبدأ، ولا معنى للتصرف عقلانيًا كان أو غير عقلاني، في ظل قوة تعمل في خدمة هدف يستعصى فهمه، هو: إبادة اليهود عن بكرة أبيهم.

كما يلفت باومان النظر إلى الإشكالات الأخرى التي تتعلق بالناجين من المحرقة، ويوقفنا وجها لوجه مع سؤال: هل البقاء على قيد الحياة مدة أطول من الآخرين هو بالضرورة قيمة عليا يستحق الاحتفاء به؟ إذ يستعرض الأمراض النفسية التي لحقت بالناجين، بل ويطرح سؤالا مشروعا حول حقيقة: إن الناجين -غالبا- هم أكثر الأشخاص أنانية وجشعا، وبالتالي الأقدر على إيجاد فرص للنجاة.

إن مدن البشر اغتصبت عرش الطبيعة، وأقدمت على أفعال ذات آثار تراكمية قد تتجاوز قدرة الطبيعة على المداواة الذاتية، فالتدمير التقليدي يبدو عملية تطهيرية خلال عملية خلاقة، تستهدف التغيير، بينما ما وصل إليه التطور الحديث قد يوقع في التدمير الشامل الذي لا يترك أي مجال لأي بداية جديدة. لقد انبعث الخوف المطلق من التدمير المطلق في لحظة موت الإله النتشوية، التي مات معها وجود حد لقدرة الإنسان على ما يستطيع فعله أو يجرؤ على فعله، فالعلم الحديث أزال عقبة الحدود الإلهية، وخلق وظيفة شاغرة يسيل لها لعاب الجشع البشري.
‏لقد تحرر العالم الحديث من الغايات وتحول إلى الوسائل التي لا تحقق غاية سوى إعادة إنتاج نفسها، فالتكنولوجيا اليوم تتطور لأنها تتطور، وتستخدم لأنها متاحة، وتنتج وسائل تفوق الحاجات، وتتوق إلى حاجات حتى تشبع قدراتها التكنولوجية.
فالحداثة: حالة تطور مستمرة إلى الأبد. إن الأمر الذي جاءت به، هو مقدرتها الكامنة على تجاوز ذاتها، والدفع بخط نهاية السباق بعيدا أثناء عدوها كي لا تصل إلى خط النهاية إلى الأبد!
‏لئن جاء اليوم الذي تعتذر فيه الحداثة، فسيكون عن تهاونها في أداء مهمتها كما ينبغي، أو عن تأخرها في ذلك.
"إن الحضارات البدائية من آكلي لحوم البشر كانوا يلتهمون خصومهم، في حين نتقيؤهم نحن في الحضارة الحديثة، أي: نفصلهم ونطردهم ونستبعدهم عن عالمنا، عالم الالتزامات الإنسانية."
‏إن أفرد درس قدمه الهولوكوست للبشرية: إنه -وفي ذات الظروف والسياقات- "يجب الحذر ممن يحترمون القانون أكثر ممن ينتهكونه".

‏كعادة المؤلفات الغربية، مهما تجلى تفوقها التحليلي والتفسيري لمشكلاتها، فإنها تغدو قاصرة الفكر عند محاولة إيجاد حلول غير ممدودة بحبل إلى السماء.
فقد طرح الباحث حلولاً متفاوتة في ثنايا الكتاب، لا تكفي للقضاء على جذر المشكلة، وإنما تسعى لتخفيف أعراضها قدر الإمكان، كالتعددية الثقافية والديمقراطية، وغاب عن المؤلف أنها لا تضمن الحفاظ على الأخلاق، أو الهداية إليها قبل ذلك، وإنما ضمان غلبة رأي الجماهير، الذي لا يقتضي بالضرورة الصلاح، ولا ضمان حصانته من التلاعب بآرائه ومعتقداته.
‏كما لا يخفى على الكاتب أن ما ذكره من مصطلحات، هي وليدة العقلانية الغربية التي ذكرها مذمومة في جميع السياقات.
في الفصل الأخير حاول المؤلف مناقشة بعض مصادر الدوافع الأخلاقية، مع الاعتراف أنه لم يقدم نظرية سوسيولوجية بديلة للسلوك الأخلاقي، إلا أنها على الأقل أظهرت أن السوسيولوجيا التقليدية للأخلاق في حاجة ماسة إلى مراجعة جوهرية، و أبرز الافتراضات التقليدية التي بينت الدراسة فشلها: "أن السلوك الأخلاقي ينتجه المجتمع، وتحافظ عليه المؤسسات المجتمعية". وفنّد ما نسب الأخلاق منها إلى الجماعة، وعدها منتجاً اجتماعياً، "فالأخلاقيات ليست منتجا من منتجات المجتمع، بل هي شيء يوظفه المجتمع"، وأعاد الاعتبار للضمير الفردي والمسؤولية الشخصية.
‏وأنا هنا أسائل المؤلف: كيف يمكن في ظل المادية العقلانية الغربية اليوم ‏فهم الضمير أو تحميل الفرد المسؤولية؟ فمع غياب مفهوم "الإيمان بالغيب"، ينتفي الضمير وتنتفي المعاني الأخلاقية.
‏إن ما يغيب عن الباحث، هو ما وجده غيره، باحث يحمل لون عينيه ويشاركه تاريخه، ما وجده مايكل كوك في شعيرة "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، بصفتها شعيرة متصلة بالآمر والناهي، لا منفصلة عنه كما تدل عليه "المسؤولية" الفردية وتفتقر إليه، هذا القبس الإلهي الذي ستظل البشرية في تخبط ما ضلّت الطريق إليه.

“لعل الدرس الأفدح الذي لقنته لنا الهولوكوست:
أن الوحشية قد تكون ابنة النظام، لا الفوضى.
وأن حضارتنا الحديثة، كلما تباهت بكفاءتها، اقتربت من حتفها الأخلاقي".

*مقدمة عزمي كانت بمثابة ملخص جيد للكتاب -للمهتم-.

*مخرج: "إن من يتحكم في الماضي يتحكم في المستقبل، فمن الواجب علينا، من أجل هذا المستقبل، ألا نسمح لمن يتحكمون في الحاضر باستغلال الماضي لتحويل المستقبل إلى مكان موحش." ]]>
Comment290054786 Tue, 29 Apr 2025 19:40:48 -0700 <![CDATA[نورة commented on نورة's review of الأنطولوجيا هرمنيوطيقا الواقعانية]]> /review/show/7473227981 نورة's review of الأنطولوجيا هرمنيوطيقا الواقعانية
by مارتن هايدغر

طبعا ممكن..
الواقع آلاء لو تلاحظين فاهتمامي قديم، مع اختلاف ثقل المقروء لا أكثر.. لا أنكر حضور الفضول ابتداء، لكن السبب الأكبر أنها تتقاطع مع كثير من القضايا الفكرية اليوم، ولأننا استوردنا الأفكار مع المنتجات من الخارج، أصبحنا بحاجة لقراءة جادة لمعرفة طبيعتها وجذورها ومن ثم كيفية التعامل معها. ]]>
Comment289975158 Sun, 27 Apr 2025 19:28:18 -0700 <![CDATA[نورة commented on نورة's review of ظل الريح]]> /review/show/3150776630 نورة's review of ظل الريح
by Carlos Ruiz Zafón

شكراً ياسمين ]]>